مدخل-

يمكن أن تحسن الأماكن العامة نتائج الصحة. كفكرة شاملة وكأسلوب عملي لتحسين حي أو مدينة أو منطقة، فإن صناعة الأماكن هي عملية تعاونية لإعادة تشكيل المجال العام – شوارع المجتمع، والحدائق، وغيرها من الأماكن العامة – من أجل تعظيم القيمة المشتركة.

 — سوزان سيلبرغ،

تشمل صناعة الأماكن مجموعة واسعة من الاستراتيجيات والمشاريع، بدءًا من أسواق المزارعين، وحدائق المجتمع، والساحات العامة، إلى الجهود لجعل الشوارع أكثر ملاءمة للمشاة وراكبي الدراجات. لكن صناعة الأماكن ليست فقط حول نتيجة مكان محسّن، بل هي متجذرة في العملية نفسها – مراقبة، والاستماع إلى، وطرح الأسئلة على الأشخاص الذين يعيشون ويعملون ويلعبون في منطقة معينة لفهم احتياجاتهم وطموحاتهم المحددة للمكان. حتى أبعد من الفوائد الملموسة التي يمكن أن تحققها مشاريع صناعة الأماكن، فإن العملية نفسها لتشكيل مكان يمكن أن يكون لها فوائد اجتماعية قوية ترتبط بدورها بنتائج صحية إيجابية بالنهاية .

النشاط البدني المنتظم ضروري لتحسين الصحة العامة واللياقة البدنية والوقاية من عدد من النتائج الصحية السلبية. بالنسبة للبالغين، تشمل فوائد النشاط البدني المنتظم الحفاظ على وزن صحي، وتحسين الوظيفة الإدراكية، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والسكري، وسرطان الثدي، وسرطان القولون والاكتئاب.

كما أن الشباب النشطين بدنيًا يتمتعون أيضًا بصحة عظام أفضل ومخاطر أقل لزيادة الوزن وتطوير الأمراض المزمنة في مرحلة البلوغ. وقد وُجد أيضًا أن النشاط البدني “يحمي الأعصاب”، مما يساعد في الحماية من أمراض مثل الزهايمر. تظهر مسحات الدماغ للأفراد النشطين كمية أكبر بكثير من المادة الرمادية مقارنة بأقرانهم الأقل نشاطًا، وهو ما يرتبط بصحة دماغ أكبر وتحسين الذاكرة.

يمكن تحقيق هذه النتائج من خلال إجراء تغييرات سلوكية، حيث أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين زادوا من نشاطهم البدني على مدى فترة 5 سنوات شهدوا زيادات ملحوظة في وظيفة المادة الرمادية في أدمغتهم. للحفاظ على صحة مثلى، يحتاج الأطفال والمراهقون إلى 60 دقيقة من النشاط البدني يوميًا.

في دراسة أجريت في عام 2008 في أونتاريو، كندا، وجد الباحثون أن الأطفال الذين يعيشون على بعد كيلومتر واحد من حديقة تحتوي على ملعب كانوا أكثر عرضة تقريبًا بخمس مرات ليكونوا في وزن صحي مقارنة بأولئك الذين لا توجد لديهم ملاعب في الحدائق القريبة.

وجدت مراجعة للأبحاث حول تأثير استراتيجيات منع السمنة في الطفولة أن إنشاء أو تحسين الوصول إلى الحدائق والمرافق الترفيهية، جنبًا إلى جنب مع التوعية بالمعلومات، هو من بين أكثر التدخلات فعالية لتعزيز النشاط البدني.

لكن بالإضافة إلى أهمية النشاط البدني في مكافحة السمنة والأمراض ذات الصلة، فقد أظهرت اللعب والترفيه التفاعلي أنه جزء حيوي من عمليات التطور الاجتماعي والعاطفي والإدراكي والبدني للأطفال في مراحلهم المبكرة.

يقترح بعض الباحثين أنه نتيجة لزيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال في وسائل الإعلام الإلكترونية، بالإضافة إلى القيود الأبوية الأكبر على استقلاليتهم، فإن الأطفال والشباب لديهم فرص أقل بشكل متزايد للمشاركة في اللعب النشط.

على سبيل المثال، في عام 2010، حددت أبحاث مؤسسة كايزر العائلية أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و6 سنوات يقضون في المتوسط 1.5 ساعة يوميًا مع وسائل الإعلام الإلكترونية، بينما يقضي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا في المتوسط 6.5 ساعة يوميًا على وسائل الإعلام الإلكترونية.

يتأثر الأطفال بشدة بنقص الأماكن للعب والنشاط البدني. بسبب قلة الموارد للبرامج المدرسية وما بعد المدرسة، ونقص مناطق اللعب الآمنة، وندرة الوقت والموارد من جانب مقدمي الرعاية، فإن نقص الفرص للعب النشط يكون حرجًا بشكل خاص للأطفال .

تؤثر كل من توفر وجودة الحدائق ومرافق الترفيه بشكل كبير على قدرة الناس على أن يكونوا نشطين بدنيًا. تظهر الأبحاث النوعية حول الصفات الفيزيائية للحدائق أن عوامل مثل الأمان، والجماليات الجذابة، والمرافق المناسبة للاستخدام عبر مراحل الحياة، والصيانة الجيدة والنظافة، والقرب من منازل الناس تشجع جميعها على استخدام الحدائق بشكل أكثر تكرارًا. كما أن البيئة الاجتماعية للحديقة تؤثر أيضًا على استخدامها ونتائجها.

أشارت عدة دراسات إلى أن البيئات الاجتماعية الآمنة والداعمة في الحديقة مهمة بشكل خاص للنساء والفتيات، بينما ساعدت المشاركة في تنظيف الحدائق وزراعتها المراهقين على تطوير شعور بالانتماء والفخر بالحي. علاوة على ذلك، قد يؤدي إشراك أعضاء المجتمع في عملية تخطيط الحديقة إلى إنشاء مساحات توازن بشكل أكثر فعالية بين الاحتياجات المحددة لمجموعات السكان التي تختلف وفقًا للعمر والجنس والحالة الاجتماعية والاقتصادية .

دراسة حالة —

سوق المزارعين في فلينت، ميشيغان

نقل سوق عام إلى وسط المدينة يحسن الوصول إلى الغذاء والاستثمار المتعلق بالصحة…

منذ البداية، كان لدى السوق إمكانات كبيرة لمعالجة بعض هذه القضايا الملحة للصحة العامة، ولكن لفترة من الوقت لم يكن يحقق الهدف. على الرغم من أن سوق المزارعين في فلينت كان بالفعل عنصرًا أساسيًا في المجتمع مع قاعدة عملاء راسخة، إلا أن بائعيه وإدارته كانوا يعلمون أنه يحتاج إلى بعض التحسينات الرأسمالية الكبرى. كان دائمًا سوقًا داخليًا على مدار السنة مع عدد كبير من البائعين الموسميين في حظيرة خارجية، ومع ذلك، كان من الواضح أنه قد تجاوز منشأته. في النهاية، انتقل السوق (في عام 2014) إلى مبنى الطباعة السابق الأكبر بكثير والموجود في موقع مركزي من صحيفة فلينت جورنال.

كان القرار بإعادة السوق إلى وسط المدينة جزءًا من مشروع إعادة تطوير بقيمة 32 مليون دولار من شركة Uptown Reinvestment Corporation الذي شمل استراتيجية متكاملة لجلب المزيد من الناس إلى وسط المدينة، وتوفير المزيد من المساحة للبائعين، وتقديم المزيد من الخدمات المجتمعية. مع الموقع الجديد الأكبر، يمكن أن يصبح السوق وجهة مجتمعية متعددة الاستخدامات. سمح المبنى الجديد بتحديثات كبيرة وتوسع، وهو ضعف حجم السوق القديم، مما يستوعب ضعف عدد البائعين. كما أن المنشأة تحتوي على مساحة لمرافق ووظائف أخرى، مثل غرفة مجتمعية، وتراس على السطح للفعاليات الخاصة وتناول الطعام، وتحتوي أيضًا على Flint Food Works، وهو حاضنة طهي للأعمال المحلية.

تسلط دراسة أجراها ريتشارد سادلر في كلية الطب البشري بجامعة ولاية ميشيغان في عام 2016 الضوء على التأثيرات التي أحدثها النقل في تحسين الوصول إلى الغذاء الصحي في مجتمع غير مخدوم مع خيارات قليلة متاحة لاختيار غذاء مغذي. استنادًا إلى استطلاعات شاملة وتحليل لبيانات العملاء وعادات الشراء قبل وبعد الانتقال (في 2011 و2015)، تسلط هذه الأبحاث الضوء ليس فقط على كيفية معالجة قضايا الوصول إلى الغذاء والصحة بنجاح في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، ولكنها تتحدث أيضًا عن الفوائد المتعددة للقرب والخدمات المتواجدة معًا في إحياء وإعادة استثمار النوى الحضرية بعد الصناعة.

لقد عالج سوق فلينت الجديد قضايا الوصول والقدرة على تحمل التكاليف للعديد من السكان ذوي الدخل المنخفض، وبعد عام ونصف فقط من نقله، أصبح سوق المزارعين في فلينت بسرعة أحد الأصول المجتمعية الثمينة. لدرجة أنه في عام 2015، أعلنت الجمعية الأمريكية للتخطيط عن السوق كواحد من ستة “أماكن رائعة في أمريكا.”

© Project for Public Spaces, Inc. All Rights Reserved